ما زال النموذج المالي للمدينة الجديدة محل دراسات لم يعلن عنها بشكل نهائي.
واحد منها ، عقد البوت و هو ان كان من العقود الحديثة ، الا انه اصبح من العقود الدارجة ، في انشاء و تحديث المرافق العامة واختصاره ( Bot) عقود البناء او التشييد و التشغيل و نقل الملكية.
وهذه العقود ذات طبيعة مركبة ، تتفرع عنها جملة من العقود بالباطن ، كعقد المقاول الفرعي ، و عقد الممول وعقود التامين ، وكذلك العقود المبرمة المنتفعين .
برقيات سريعة ارسلها بحدود ما يتسع له المقال :
اولا :في اجواء سياسية ، لا تخلو من المعكرات ، جاء الاعلان عن مشروع المدينة الجديدة ، اعتبرها البعض املا جديدا ولهم مبرراتهم وقد عرضت الحكومة لبعضها ولا حاجة للتكرار .
ثمة فريق آخر غير متفائل بسبب ايجاز الافصاح الحكومي ، الذي ورد مقتضبا في مسائل تحتاج الى التفصيل سأعرض لها تباعا ، لاسيما وان تجارب سابقة ( سكن كريم لعيش كريم ) تجعل التخوف محقا وفي محله .
ثانيا: ان الاعلان عن دراسات تفاصيل الجدوى في مثل هذا النوع من المشاريع ، من شأنه ان يعزز الشفافية و الثقة ، ومن المتعارف عليه ان تكون الاعباء المالية لهذه الدراسات على ( شركة المشروع ) اي الشركة المنفذة للتطوير و ليس الجهة الحكومية .
ثالثا: كمبدا عام ، ان التشغيل هو التزام على عاتق شركة المشروع في عقود ال (bot ) ، و بالتالي لا تلقي الحكومات على كاهلها عبء الاستئجار ابتداءا ، لان ذلك ينطوى على زيادة المخاطر و الكلف على الجهة الحكومية ، و لا يحول ذلك دون ان تمنح الحكومة نفسها خيار الاستئجار ان وجدت في ذلك مصلحة لها .
رابعا : من مصلحة الحكومة كطرف رئيسي متعاقد ، ان تكون فترة الانشاء و التشغيل قصيرة الآجال ، في حين من مصلحة صاحب المشروع ان تكون المدد طويلة لكي يتمكن من تحصيل اكبر ايراد ممكن ضمن فترة التشغيل ، وهنا تاتي اهمية ، التوجية الملكي للحكومة ، بوضع جداول زمنية واضحة لانجاز العمل .
خامسا: من المتعارف ان تتضمن هذه العقود ، الزاما لصاحب المشروع ، بالصيانة المستمرة ، ونقل التكنولوجيا للمرفق العام عند التسليم النهائي مع الإعلان ان المدينة الجديدة ستكون على نمط المدن الذكية ، لان عدم اشتراط ذلك يعني كلفا عالية للصيانة واعادة التجهيز عند استلام المشروع من الحكومة في نهاية العقد .
سادسا : ان العائد المتوقع ، هو جزء من دراسة الجدوى ، لذلك فان التزام الحكومة بالاستئجار ، سيجعل الحكومة طرفا ملتزما فيما هو على عاتق ( شركة المشروع ) وهو امر يتطلب تفصيلا قانونيا و افصاحا واضحا حول مدى استفادة الخزينة من هذا المشروع في الاجل القصير و المتوسط و الطويل .
سابعا : ان هذا النوع من العقود يتضمن نوعين اساسيين من الالتزامات ،احدهما يخضع لقواعد القانون الخاص في الجانب المالي ، بينما يخضع الجانب الآخر لقواعد القانون العام - (تسيير المرفق/ اللوائح التنظيمية ) بمعنى انها لا تخضع لسلطان الارادة.
وفي ظل تشابك العلاقات حسب التصريح الحكومي بنيتها استئجار المباني ، مما قد ينشأ عنه تضارب في المصالح ،و اذا اخذنا بعين الاعتبار ان فض المنازعات ،يخضع للتحكيم ، او القضاء المحلي حسب شروط العقد اومقتضى الحال ، فمن الضروري التنبة الى القواعد الحاكمة لمسالة الانتفاع وخصوصا الصيانة ونقل التكنولوجيا للمرفق بما لا يؤدي الى ان تكون الحكومة تحت سيطرة ( شركة المشروع ) في جوانب تخضع للوائح تنظيمية من حيث الاصل المتعارف عليه.
ثامنا : تتنصل الجهة شركة المشروع من اي مسؤولية سياسية ، وبالتالي فان دور المؤسسات الرقابية كالبرلمان ، او القضاء ، سيكون في اضيق نطاق على التزامات شركة المشروع.
وغني عن التذكير ما تضمنته عقود شراء الطاقة المتجددة ، التي القت على كاهل الحكومة ، اعباءا مالية كبيرة ، لفترات طويلة المدى بحيث اصبحت الاسعار المتعاقد عليها تفوق ، الاسعار الحالية ، بنسب تصل الى ١:١٥.
تاسعا : من هو الممول ، من هو المسدد و من هو المنتفع ثلاثة اسئلة جوهرية ، لا بد من الاجابة الشفافة و الواضحة عليها لتجنب اخفاقات تجارب ممثاثلة لهذا النوع من العقود .
عاشرا : انهمكت وسائل الاعلام في الحديث عن المدينة الجديدة ، دون الوقوف على ما ذكر اعلاه من تفاصيل، ومن الهام ايضا بيان النموذج القانوني و المالي بوضوح لان عقود bot تتضن اكثر من خيار ، وعلى الحكومة اختيار افضل النماذج واكثرها ملائمة ، مع ميزانية مرهقة بالعجز ومديونية عامة ضخمة
بالتزامن اعلن البنك الدولي حول ضرورة تسريع وتيرة الاصلاحات التشريعية و الخدمية و التخطيط في (عمان المستقبل) و جاء متزامنا مع اعلان الحكومة عن مشروع المدينة الجديدة .
وهذا المشروع يعبر فعلا عن جهود متراكمة ومشاريع عابرة للحكومات ، اذا دعمت بجهد تقني اكثر شفافية ووضوحا .
و اعتقد ان الورش الفنية لخبراء عقود الفيديك ، قد تكون رافعة مهمة ، اذا تم التنبة لجملة القواعد القانونية ،المطبقة على هذا العقود ( الاونيسترال ، و القواعد المنبثقة عن لجان الامم المتحدة)
ربما تكون المدينة الجديدة فرصة ذهبية ، لتكاتف الجهود و اثبات القدرة على النجاح في صيغة تمويلية اكثر ملائمة بصدق النوايا ، وتكاتف الجهود والاستجابة الفورية للتوجية الملكي .