نحن الآن وسط فوضى سياسية على أرض الواقع، يعزز الإعلام المموّل، والمستأجر، مع وسائل التواصل الاجتماعي، في إشعالها، بكل الوسائل.
يخرج أحد المعارضين ويقول إن لديه معلومات حول أن دمشق الجديدة تريد تجنيس الفلسطينيين في سورية، في سياق صفقة سرية مع واشنطن، من أجل الحصول على الدعم الأميركي، واسترضاء إسرائيل وسلسلة الحلفاء السرية والعلنية في المنطقة.
لا يقدم أي دليل على المعلومة، لكنه يتحدث جازما عن 700 ألف فلسطيني في طريقهم إلى التجنيس، رغما عن دمشق الرسمية، وهذا مناخ تتداخل فيه المعلومات بالإشاعات والأكاذيب، خصوصا، أننا نعرف أن هناك من يريد صهينة سمعة الحكم الجديد في دمشق، عبر مداخلات مختلفة، من بينها الكلام عن سكوت دمشق على اجتياح إسرائيل لأراض سورية في الجولان والجنوب الإسرائيلي، ومع الإشاعات التي تتم صناعتها في المختبرات المعتمة حول أن إسرائيل سوف تهجر الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948 إلى سورية، ولبنان، بعد تأمين الأرض الكافية.
الرئيس السوري الجديد خرج قبل يومين، وقال إنه لن يكون أخلاقيا أن يقود الرئيس الأميركي جهدا لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإذا كان التعبير واضحا، إلا أن المأزق في دمشق يرتبط فعليا بمسارين متعارضين، حيث إن دمشق تريد رفع العقوبات الأميركية حتى تتمكن من إعادة إعمار سورية، وهي أيضا غير قادرة حاليا على الاشتباك مع جبهات مختلفة، في ظل التحريض على دمشق الجديدة، باعتبارها نسخة مطورة من القاعدة والنصرة، وأنها أيضا تستهدف المكونات المسيحية والعلوية والدرزية، وفلول النظام السابق، في سياقات تستهدف نهاية التحريض على التغيير في سورية، واستدراج تدخل دولي، وصولا إلى التقسيم.
الأزمة المتعلقة بالفلسطينيين في كل مكان، قد تؤدي للأسف إلى كراهية بحق الفلسطينيين باعتبارهم جلبوا اللعنات على كل المنطقة، وجعلوها تحت مطارق الإسرائيليين والأميركيين، وهذا رد فعل يتسم بالسفه والجهل والتضليل، لأن أصل الأزمة بوجود إسرائيل، وليس بسبب الضحية، كما أن السكوت طوال عقود على إسرائيل، وتمكينها أدى إلى هذه النتيجة على الجميع، حيث نقف اليوم جميعا دولا وشعوبا أمام مشروع إسرائيل الكبرى الذي يريد السطو على كل فلسطين ولبنان وسورية والأردن والعراق، ومساحات من مصر، ولو وقف العرب موقفا منذ بداية تأسيس الاحتلال، لما وجد الكل أنفسهم أمام هذا الاستحقاق الذي كان يتأجل فقط.
لقد قيل ذات يوم انه مع أول وتد لخيمة لاجئ فلسطين خارج فلسطين، تم دقه في باطن الأرض، كنا أمام دق الأوتاد في ظهور كل الشعوب العربية، وليس الفلسطيني وحيدا، لكن لا أحد يسمع، والكل يتشاغل بمصالحه ويقول ليخلع الفلسطيني شوكه بيديه، فيما العين التوراتية موجهة نحو كل المنطقة، وشعوبها، وفلسطين نقطة ارتكاز أولى، للمشروع الإسرائيلي، ولم تكن في الأساس محطة نهائية له أصلا.
لا أعتقد أن دمشق ستقوم بتجنيس الفلسطينيين في سورية، ولا حتى تحت مظلة الشعار الديني أننا جميعا أبناء أمة واحدة متساوية، أيا كانت جنسياتنا، لكن العقدة هنا ستكمن في الذي ستحاول إدارة ترامب فرضه على السوريين، من أجل الاعتراف بهم، ومنحهم الشرعية، وقبولهم، وفك التضييق عنهم، وهي اشتراطات متوقعة، على صعيد الداخل السوري، وتصل حد التفاوض على التطبيع مع اسرائيل وتوطين الفلسطينيين في سورية، والمخيال السوري هنا مفتوح لكل التوقعات والاحتمالات.
لقد عشنا حتى رأينا الفلسطيني المهجر إلى سورية، يراد توطنيه وتجنيسه، فيما السوري المهجر من بلاده، يبحث عن جنسية وإقامة، وبينهما علينا توقع كل شيء.
الفلسطينيون يريدون حق العودة، فيما يتم دفعهم نحو زاوية شعارها لا للتهجير، ولا للتجنيس، ولا للتوطين، بما يفرض العودة إلى العناوين الأساسية وعدم التخلي عنها.
الغد