*
الخميس: 06 فبراير 2025
  • 23 فبراير 2024
  • 10:40
حَبْرُ هذه الدولة
الكاتب: المحامي عبد الكريم الكيلاني

كلامه الاقتضاب ، صمته التفكر ، رجل أحمال و أثقال ، نظره الثاقب  لا يخطىء الفِراسة  ، و هيهات ان يتفرسه فارس .

هذه ليست روايتي ، بل رواية مؤسس دائرة المخابرات الأردنية ، الذي لم تستعص الغاز الملامح و الوجوه على بصيرته الثاقبة ، تغوص في الأغوار  وتقرأ لواعج النفوس بخطف البصر ، قلقها ،اضطرابها ،ترددها قبل  ان ينبس مقابله ببنت شفة . 

،، ، إلا ان الوحيد الذي استعصى عليه،  حبر هذه الدولة ، (زيد الرفاعي )، صاحب الملامح ، الوادعة ، داهية السياسة الذي استعصى اختراقه على داهية  المخابرات .

ورغم ذلك فمن الطبيعي ان تنال سهام النقد اداء الرفاعي الأب الذي ترأس حكومات عديدة كلف بها من صاحب الجلالة الملك الحسين رحمه الله ، إلا أن اشد   الانتقادات    قسوة إبان ازمة هبوط سعر الدينار عام ٨٩ و ما تبعها من احداث أليمة  .

لكن هذا الخيميائي، اعيا كل حكيم ، فقد ارتبط بالوقت نفسه ، بعلاقات متينة مع أنزه  الشخصيات  القانونية ، من ضمنهم العملاق  و القامة الرفيعة ، فارس الخطابة و المرافعة  صاحب اليراع و القلم الراحل الكبير ابو شجاع (حسين مجلي) المُجلي و المجلجل في ميدان المحاكم  .

وكذلك جمعته علاقة ود واحترام بالغ 
مع الراحل و المعارض البارز ليث شبيلات ابو فرحان رحمه الله .

كما ارتبط بعلاقة وثقى بالقاضي العدل ، فاروق الكيلاني ، وكان لحبر الدولة  دور رئيس، في ترشيح القاضي الكيلاني ، لرئاسة محكمة التمييز .

وهذا يدفعنا  الى التعمق  في النظر و التحليل ، فالرفاعي وان وقع في بعض الاخطاء ، لكن التيار الذي عصف بالاستقرار آنذاك  ، كان اكبر من قدرة الحكومة الأردنية ، وتجدر الإشارة هنا  إلى ما ذكره الدكتور جواد العناني مؤخرا  ، ان محاولات النيل من قوة الدينار ،  وراءها اهداف معادية من دولة الكيان وليست اسباباً اقتصادية محلية صرفة ، حيث كانت  دولة الكيان تجمع الدينار الأردني ثم تقوم بضخه دفعة واحدة في أسواق عملة مجاورة ، وكان الجهاز المركزي  للدولة يقظا  لهذه  المؤامرات ، و تم تكليف العناني نفسه ، بشراء ما تم ضخه ،  من الأسواق المجاورة حتى لا يتسبب ذلك ،باي تاثير على سعر الصرف .


ايا كان ، وبعيدا عن سهام النقد ، تشير بعض المصادر ان اجهزة استخبارية عديدة اجنبية و عربية ، سعت غير مرة لزعزعة الوضع في هذا البلد الآمن   ،وكان واحدا من اخطر هواجسها ، هو حبر الدولة ، كيف يفكر !!! ، لانه واحد من قلائل ، يستطيعون بالكياسة السياسية ، تدارك الخطر ،  كائنا من كان وراءه،  
فهذا البلد تكلأه عين الرحمن التي لا تنام ، ثم رجال خفاء ،  اخلصوا لله العمل ، وكتموا في سريرتهم ما لا يعلمه إلا هو.


ضبط النفس وكظم الغيظ، وخلق العفو ، سمات  طبع عليها حبر الدولة وشواهد ذلك اكثر من ان تحصى  .

 واحد من المواقف يتعلق بمواطن راجع  وزير الداخلية في حكومة الرفاعي , للحصول على رخصة مقيدة   قانونا ، محظورة شرعا ، ومنكرة عرفا ، فما كان من الوزير إلا قرع المراجع ايما  تقريع ، ثم طرده من المكتب يجر اذلال الخيبة .

لاحقا عاتب الرفاعي بصفته رئيسا للوزراء عاتب وزير الداخلية  ، قائلا :
ان نسبي رفاعي و انت نسبك قادري ، إلا ان  الحكم لا يتسع  لهذا التقريع العنيف ، ارفض الطلب بجرة قلم،  ودع الخلق للخالق    ، ان الجلوس على كرسي الوزراة و القول للرفاعي :  لا يحتمل ارتداء حلة الطريقة  الذي نفخر بها على النحو   التي اتيتَ به ، بعض الرفق (إن الله  رفيق يحب الرفق …) استجاب  الوزير لطلب الرئيس ، قانعا بحكمة الرفاعي ، و اكتفى بالحد الذي ناله طالب الترخيص من التقريع ، ورفض الترخيص .

الرفاعي حبر دولة بكل ما تحمله الكلمة ، هو بالمرصاد لأي رواية مبهمة او مضللة ، تصدى بالحجة و البرهان الهاديء والمعلومة الموثقة ، لروايات هيكل ، و لم يستطع الأخير بأرشيفه الذي التهمته النيران ،  الرد على حبر هذه الدولة الذي القم هيكل حجرا في فمه ، أسكته إلى غير رجعة .


آثر الرفاعي ألا  يكتب  مذكراته السياسية ، وكأن  لسان حاله يقول،مقولة الفيلسوف الزاهد محمد بن عبّد الجبار النفّري ( كلما اتسعت  الرؤية  ضاقت العبارة) وهذا راي يحتمل الصواب  ، و لصاحب الدولة ، وحبر اسرارها الكثير من المآثر التي يجب ان تخرج  إلى النور ، من ادراج الحبر المغلقة ، وهو راي آخر يحتمل الإصابة.

مواضيع قد تعجبك