*
الاربعاء: 12 فبراير 2025
  • 12 فبراير 2025
  • 13:15
الملك امام ترمب.. ذكاء الحزم والدبلوماسية
الكاتب: محمد الدويري

في لقاء اتسم بالحكمة والدبلوماسية الرفيعة، استطاع جلالة الملك عبدالله الثاني تجاوز لحظات حرجة ومفصلية فرضت نفسها على المشهد السياسي الأردني الإقليمي، ونجح خلال اللقاء بالرئيس الأمريكي في تحدي الضغوط بتوسيع دائرة القرار الى الرحم العربي في مواجهة مقاربات ضيقة تضع المصالح الإسرائيلية على رأس الأولويات.

 

في اعقاب العدوان الهمجي الإسرائيلي على قطاع غزة، برزت محاولات لدفع سيناريو التهجير كأمر واقع، وهو ما رفضه الأردن جملة وتفصيلا. وكان تعامل الملك مع هذه القضية بحكمة دبلوماسية أمام رئيس أمريكي معروف بنهجه التجاري البراغماتي وانحيازه الواضح لإسرائيل، فرفض الطرح بأسلوب ذكي، لكنه حرص على توسيع نطاق القرار ليكون في حضن الأمة العربية، رافعا شعار المصالح الوطنية الأردنية والعربية فوق أي اعتبار.

 

لم يكتف جلالته بالموقف السياسي الواضح، بل حرص على توجيه رسالة أكثر دقة بعد اللقاء، عندما قام بنشر تغريدة صريحة تؤكد أن "الأردن يرفض التهجير قلبا وقالبا"، وذلك بعدما جرى تحريف بعض تصريحاته عبر الترجمة غير الدقيقة التي نقلت عن اللقاء.

 

وفي الوقت الذي رفض فيه الأردن أي شكل من أشكال التهجير، قدم جلالة الملك مبادرة إنسانية استثنائية باستقبال مؤقت لألفي طفل فلسطيني من المصابين بأمراض حرجة ومرضى السرطان، لتلقي العلاج في المستشفيات الأردنية. هذا الموقف لم يكن تنازلا أو تراجعا، بل رسالة واضحة بأن الأردن يتمسك بدوره الإنساني دون أن يكون ذلك على حساب ثوابته الوطنية أو سيادته.

 

لم يكن موقف الملك عبدالله الثاني مقتصرا على رفض التهجير، بل حرص على تقديم حلول واقعية، حيث أكد خلال اللقاء على أهمية إعادة إعمار غزة، مشيرا إلى الجهود المصرية في هذا الصدد. مؤكدا ان دعم الأردن لخطة إعادة الإعمار يأتي من منطلق أن استقرار غزة هو جزء أساسي من استقرار المنطقة، وهو ما يتناقض مع السياسات التي تحاول دفع الفلسطينيين نحو خيارات قسرية غير مقبولة.

 


لقاء الملك عبدالله الثاني مع ترامب كان تحديا دبلوماسيا من الطراز الرفيع، حيث نجح في إيصال رسالة واضحة دون مواجهة مباشرة قد تؤدي إلى تداعيات سلبية، فكان حديثه مزيجا من الحزم والمرونة، مدفوعا بحسابات دقيقة تحمي المصالح الأردنية وتحفظ حقوق الشعب الفلسطيني.

 

في مواجهة رئيس أمريكي لا ينظر إلا بعين المصالح التجارية ومصالح اسرائيل، أظهر الملك عبدالله الثاني مهارة سياسية قل نظيرها، حيث استطاع أن يثبت أن الأردن ليس مجرد طرف يتلقى الإملاءات، بل هو دولة ذات سيادة وجزء من امة عربية تتخذ قراراتها وفقا لمصالحها الوطنية والعربية، وليس وفقا لضغوط خارجية.

مواضيع قد تعجبك