خبرني - في الدول ذات الدخل العالي، تنخفض عادة الخصوبة مع انشغال الناس في أعمالهم وحياتهم اليومية، ولكن متابعة معدلات الولادة في السنوات قبل وبعد وباء كورونا، لا سيما في الدول النامية أيضاً، يكشف اتجاه عالمية إلى الكشف عن صورة قاتمة لمستقبل يتحول فيه الأطفال إلى عنصر نادر.
وأشار تقرير لصحيفة "وال ستريت جورنال" اليوم الإثنين، إلى الخبر الآت من الهند مؤخراً مع تجاوزها للصين بأكثر البلدان سكناً العام الماضي، ومع ذلك فإن الخصوبة الآن أدنى من المعدل العالمي المتوقع.
وأوضح التقرير أن الدول تقف اليوم أمام نقطة مصيرية للحفاظ على معدلات خصوبة فيها لعدم اختلال النظام الديمغرافي عالمياً.
واعتبر التقرير أنه تم ملاحظة انخفاض معدلات الخصوبة في كل مكان تقريباً، للنساء عبر جميع مستويات الدخل، التعليم ومشاركتها في القوى العاملة. وتأتي معدلات الولادة المنخفضة مع تداعيات ضخمة لطريقة عيش الناس، كيفية نمو الاقتصادات ومكانة القوى العظمى في العالم.
وتضع بعض التقديرات عدد الأطفال الذين تنجبهم كل امرأة أدنى من معدل الاستبدال العالمي البالغ حوالي 2.2.
ويقول اقتصادي متخصص في الديموغرافيا في جامعة بنسلفانيا الأمريكية خيسوس فيرنانديز-فيلافيردي: "الشتاء الديموغرافي آت".
وهذا ليس بغريب عن نظرة قادة الحكومات إلى هذه المشكلة كمسألة طارئة وطنية، مع قلقهم المتنامي حول القوى العاملة المتقلصة، النمو الاقتصادي البطيء والمعاشات غير الممولة بشكل كاف؛ وحيوية مجتمع ينخفض عدد الأطفال به بشكل مستمر، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مكانة دول عظمى مستقبلاً مثل أمريكا والصين وروسيا.
لقد أطلقت الحكومات برامج لوقف الانخفاض - ولكن حتى الآن لم يكن لها تأثير كبير.
في 2017، عندما كان معدل الخصوبة العالمي 2.5، اعتقدت الأمم المتحدة أن المعدل سينخفض إلى 2.4 في أواخر العشرينيات.
ومع ذلك، بحلول 2021، خلصت الأمم المتحدة، أن المعدل انخفض بالفعل إلى 2.3 - قريب من ما يعتبره متخصصو علم السكان بمعدل الاستبدال العالمي البالغ حوالي 2.2.
ومعدل الاستبدال، هو المعدل الذي يحافظ على نسبة السكان بشكل مستقر على مر الزمن، هو 2.1 في الدول الغنية، وأعلى بقليل في الدول النامية، حيث يولد عدد أقل من الفتيات من الأولاد وتموت المزيد من الأمهات خلال سنواتهن الإنجابية.
ووجدت دراسة حديثة أن سجلات الولادة الوطنية عادة ما تبلّغ عن ولادات بنسبة 10% إلى 20% أقل مما توقعته الأمم المتحدة.
وأبلغت الصين عن 16% أقل مما توقعته الأمم المتحدة.
وفي أمريكا، 4% أقل مما توقعته الأمم المتحدة.
أما مصر فأبلغت عن 17% أقل من الولادات العام الماضي.
وفي عام 2022، أبلغت كينيا عن 18% أقل.
بعض المتخصصين في علم السكان يرون ما يحدث بأنه جزء من "الانتقال الديموغرافي الثاني"، وهو إعادة توجيه على مستوى المجتمع نحو الفردية التي تضع اهتماماً أقل على الزواج والأبوة والأمومة، وتجعل الحياة بأقل أطفال أو بدونهم أكثر قبولاً.
وترى النظرية أنه إذا كان لدى الناس تفضيل لقضاء الوقت في بناء حياتهم المهنية، أو الاستمتاع بأوقات الفراغ، أو المرور بعلاقات خارج المنزل، فمن المرجح أن يتعارض ذلك مع الإنجاب.
وفي الوقت نفسه، تظهر البيانات المتعلقة باستخدام الوقت أن الأمهات والآباء، خاصة الذين يتمتعون بتعليم عالٍ، يقضون وقتاً أكثر مع أطفالهم مما كانوا عليه في الماضي.
محاولات مستمرة
وأشار التقرير أن حكومات عدة حول العالم تحاول عكس موجة انخفاض الخصوبة، وقد تكون اليابان أبرز تلك الدول، حيث شعرت بالذعر في أوائل التسعينات مع انخفاض معدلات الخصوبة إلى 1.5، الأمر الذي دفعها إلى إطلاق سلسلة من الخطط التي تضمنت إجازة أبوة ورعاية الأطفال مدعومة من الدولة، ولكن ذلك لم يصحح مسار الخصوبة. ومؤخراً، أطلق رئيس الوزراء فوميو كيشيدا برنامجاً آخر لزيادة الولادات من خلال تقديم إعانات شهرية لجميع الأطفال دون سن 18 بغض النظر عن الدخل، ودراسة مجانية للعائلات التي لديها ثلاثة أطفال، وإجازة أبوة مدفوعة الأجر بالكامل.
حلول غير مباشرة
منذ وباء كورونا، أصبح نقص العمالة شائعاً في جميع البلدان المتقدمة. ومن المرجح أن يتفاقم هذا الوضع في السنوات المقبلة مع تراجع معدلات الولادة، مصطحباً معه تقلص دائم من العمال الشباب، الأمر الذي يضع المزيد من الضغط على الرعاية الصحية وأنظمة التقاعد.
وربما الوصفة المشهورة في البلدان المتقدمة لمحاربة ذلك هي المزيد من الهجرة إليها، ولكن لهذا الحل مشكلتين.
وتاريخياً، كانت البلدان المضيفة تبحث عن المهاجرين الماهرين الذين يدخلون إليها من خلال القنوات القانونية الرسمية، ولكن التدفقات الحديثة كانت في الغالب من المهاجرين غير الماهرين الذين غالباً ما يدخلون بطريقة غير قانونية ويطالبون باللجوء فيها.
وأثارت مستويات عالية من هذا النوع من الهجرة أيضاً مقاومة سياسية تاريخياً، غالباً بسبب القلق بشأن التغيير الثقافي والديموغرافي.
وهذا ما يدفع العديد من قادة الدول المتحمسين لرفع معدلات الولادة إلى تحولهم نحو الأكثر مقاومة للهجرة العمالة الماهرة.