هنري عزام *
يكمن التهديد الأكبر في عالم الاقتصاد والأعمال عندما تأتي الأحداث في واقع الأمر معاكسة لما توقعه غالبية المحللين، ولهذا قد يكون من المفيد تسليط الضوء على ما هو غير متوقع أو مفاجئ وتقدير أثر ذلك على اقتصاديات دول المنطقة.
من المتوقع أن يتراجع النمو الإقتصادي العالمي إلى أقل من 3.5% هذا العام، مقارنة مع 4.9% في عام 2007، مع إحتمال أن لا يتعدى نمو الإقتصاد الأمريكي 0.5% مقارنة مع 2.2% عام 2007. وهذا سيضعف معدلات نمو الطلب العالمي على النفط لتبقى الأسعار أقرب إلى 70 دولارا للبرميل، مقارنة مع المستويات المرتفعة المتحققة العام الماضي، والتي وصلت إلى حوالي 100 دولار للبرميل. غير أن السياسات المالية التوسعية التي أعلنت عنها مؤخراً معظم دول المنطقة وتراجع أسعار الفائدة المحلية تماشياً مع تلك التي على الدولار ستؤدي إلى بقاء النمو الإقتصادي عند معدلات مرتفعة وستجعل من التضخم ظاهر متأصلة.
وسنسلط الضوء هنا على بعض الأحداث غير المتوقعة والتي قد يكون لها تأثير بالغ الأهمية على مجريات الأمور بطريقة معاكسة لما يتوقعه معظم المراقبين. وتأتي أهمية هذه المفاجآت في كونها مرتبطة مع بعضها البعض، وحدوث أي منها سينعكس على الأوضاع الاقتصادية سواء على الساحة المحلية، أو الإقليمية أو العلمية، ومن هذه المفاجآت:
1.تراجع معدلات النمو الإقتصادي في الولايات المتحدة بأكثر مما هو متوقع. فالمصارف الأمريكية الكبرى والتي تعرضت إلى خسائر جسيمة بسبب أزمة الرهن العقاري باتت أكثر حذراً في إقراضها إلى الأفراد والشركات مما يجبر المستهلكين الأمريكيين إلى خفض الإنفاق الإستهلاكي والذي يشكل 70% من إجمالي الناتج المحلي، كذلك ستتقلص استثمارات الشركات وترتفع معدلات البطالة. وإذا ما حصل كساد في الإقتصاد الأمريكي فإن هذا سينعكس سلباً على كل من كندا والمكسيك والصين وغيرها من الدول التي تشكل صادراتها إلى الولايات المتحدة نسبة مرتفعة من إجمالي ناتجها المحلي.
وسينعكس تراجع نمو الإقتصاد سلباً على أسعار النفط والتي قد تنخفض عندها إلى أقل من 50 دولارا للبرميل. ومثل هذا الهبوط في الأسعار إذا ما تحقق سيكون له تأثيره الواضح على الأداء الإقتصادي لدول المنطقة والذي قد يشمل تراجع أسعار الأصول من أسهم وعقارات وإنخفاض ثروة المستهلك مع ما لهذا من إنعكاس سلبي على الطلب الداخلي و معدلات النمو الإقتصادي وأرباح الشركات المتوقعة لهذا العام.
2.تكمن المعضلة الأخرى في زيادة حدة التضخم لتصبح بالتالي ذات طبيعة هيكلية أكثر منها دورية مما يحد من قدرة حكومات دول المنطقة السيطرة عليها. وهناك عوامل خارجية وداخلية أدت مؤخراً إلى زيادة معدلات التضخم، أهمها إرتفاع أسعار السلع والمواد الخام ومدخلات البناء والمواد الغذائية وغيرها من السلع والخدمات المستوردة بسبب ضعف سعر صرف الدولار، وإرتفاع الطلب العالمي عليها بالإضافة إلى عوامل داخلية أدت هي الأخرى إلى غلاء الأسعار منها السياسات المالية التوسعية، وفائض السيولة المتوفرة وإرتفاع أجور السكن وتكلفة اليد العاملة.
وهذا قد يتطلب من المجتمعات العربية أن تتأقلم من اللآن فصاعداً على العيش مع نسب تضخم أعلى مما أعتادت عليه سابقاً. وللتضخم آثار سلبية أهمها تآكل القوة الشرائية للرواتب والأجور، وتفاقم الإختلال في توزيع الدخل، وتراجع القدرة التنافسية للسلع والخدمات المنتجة محلياً، وغيرها من المشاكل الإجتماعية والإقتصادية.
3.الحدث الآخر غير المتوقع هو حدوث صدمة للأسواق المالية العالمية ناجمة عن تحولات قد تطرأ على إدارة الفوائض المالية الهائلة المتراكمة للصين والدول المصدرة للنفط. ويقدر فائض الحساب الجاري لدول أوبيك في عام 2007 في حدود 300 بليون دولار، أي انه سيتجاوز فائض الحساب الجاري لجميع دول آسيا النامية، بما فيها الهند والصين. ومن جهة أخرى أدى العجز المتواصل في الحساب الجاري للولايات المتحدة الأمريكية إلى تراكم ديونها للدول الأخرى لتصل ما يزيد عن 3000 بليون دولار مما جعل أميركا أكثر عرضة لهزات مالية. والشرارة للإختلالات المالية قد تنشأ إذا ما قامت الحكومات في الدول المتقدمة مثل أميركا وأوروبا بوضع المزيد من القوانين والمعوقات التي تحد من حرية تدفق استثمارات صناديق الثروات السيادية، وقد يجد القائمون على هذه الصناديق نفسهم مضطرين للتصرف بشكل دفاعي وإتباع إجراءات غير متوقعة تهدف إلى حماية مصالحهم، مما قد يؤدي إلى حدوث صدمات في الأسواق المالية العالمية.
4.الحدث الآخر غير المتوقع هو حدوث تراجع في أسعار العقارات في العديد من دول المنطقة بعد الإرتفاع المتواصل في هذه الأسعار والذي سجل خلال الأعوام القليلة الماضية. وإذا ما شعر المضاربون بان أسعار العقارات قاربت الوصول إلى أعلى مستوى لها للدورة الاقتصادية الحالية، تماماً كما حدث في أسواق أخرى من العالم وخاصة في سوق العقار الأمريكي، فسيقومون بعرض ما لديهم من عقارات اشتروها بهدف المضاربة قبل أن تبدأ الأسعار في الأسواق المحلية بالانخفاض. وزيادة العرض هذا سينعكس أولاً على تكدس أعداد الشقق والأراضي المعروضة للبيع وسيتبعه لاحقاً تراجع الأسعار.
والمعروف أن مثل هذا التراجع في أسعار العقارات سيكون له إنعكاس سلبي على ثروة المستهلك وحجم استهلاكه وبالتالي على معدلات النمو الإقتصادي في البلاد. وبالطبع سيختلف الوضع من مدينة عربية لأخرى وسيظهر تأثير تراجع أسعار العقارات بشكل واضح في الدول التي شهدت تضخما في أسعار العقارات أكثر من غيرها.
5.وقد يكون إنخفاض أسعار السلع والمواد خلال هذا العام من الأحداث غير المتوقعة، غير أنه إذا ما حدث كساد إقتصادي في أمريكا وضعف الطلب العالمي على السلع وتحسن سعر صرف الدولار الأمريكي فإن هذا سيزيد من إحتمالية حدوث تراجع في الأسعار. فالصين والهند، واللتان شكلتا مجتمعتين نسبة 70% من معدلات الزيادة في الطلب على المعادن والسلع خلال العام الماضي، لا تستطيعان الحفاظ على معدلات النمو القياسية والتي تفوق 10% سنوياً إذا ما حدث تباطؤ إقتصادي في كل من أوروبا والولايات المتحدة.
فالدورة الإقتصادية الحالية تشير إلى أن الإنخفاض في أسعار السلع لابد منه بعد الصعود التاريخي في مؤشر هذه الأسعار والذي سجل زيادة فاقت 100% منذ كساد عام 2001. والذي قد يساعد من إمكانية حدوث مثل هذا السيناريو عودة سعر صرف الدولار، وهي العملة التي تسعر بها السلع إلى الإرتفاع.
وهذا لم يعد مستبعداً بعد قيام الحكومة الأمريكية بوضع موضع التنفيذ سياسة مالية ونقدية توسعية قد تساعد الإقتصاد الأمريكي على تسجيل معدلات نمو تفوق مثيلاتها في الإقتصاديات الرئيسية الأخرى. وتجدر الإشارة إلى أن صناديق التحوط العالمية زادت من توجهها نحو الإستثمارات البديلة، بما فيها السلع والمواد الخام والنفط لترتفع هذه الإستثمارات من 3 بليون دولار عام 2003 إلى حوالي 120 بليون دولار العام الماضي. وإذا ما قامت هذه الصناديق بتقليص استثماراتها وبيع عقود السلع في الأسواق الآجلة فإن هذا بدوره سيؤدي إلى تسريع التراجع في الأسعار وسينعكس إيجاباً على معدلات التضخم في المنطقة.
ومع أن 2008 سيكون عاما جيداً لدول المنطقة من ناحية النمو الاقتصادي، إلا أنه وبالرغم من الأجواء الإيجابية هذه يجب أن لا ننسى بأن أمورا غير متوقعة قد تحدث ولا بد من أن نكون مستعدين لها لكي لا تفاجئنا.
*الرئيس التنفيذي، لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا /دويتشــه بنك